:سؤال 282
لمَ قرّر الله أن يصير إنسانًا فانيًا، وسمح بأن يُقتَل وحتّى أن يُصلَب؟
الجواب:
إقرأ أوّلاً النصوص التالية في موقع الإنترنِت: الموضوع الثاني، القسم الثالث والرابع، أسئلة وأجوبة أرقام 12 – 97 – 249.
يخصّ هذا السؤال جوهر إيمان المسيحيّين. وهم يجيبون عنه انطلاقًا من إيمانهم بأنّ الله صار بشرًا في يسوع الناصريّ. ويستند هذا الإيمان إلى الخبرة التي نالها المسيحيّون منذ زمن الرسل حتّى الآن في شأن حياة يسوع وتعاليمه. والشهادة الحاسمة موجودة في نصوص العهد الجديد التي تشرحها الكنيسة.
ظهور عمل الله في التاريخ
يعترف المسيحيّون بأنّ يسوع الناصريّ، وبعد حوالي ثلاث سنواتٍ من حياته التبشيريّة، اتّهمته سلطات شعبه الدينيّة بالكفر، وأعدمته سلطات الاحتلال الرومانيّة صلبًا، فقام من بين الأموات ولا يزال حيًّا.
إنّ السؤال: «لماذا» صار الله بشرًا، ولمَ تألّم يسوع ومات على الصليب لا ينال جوابًا إلاّ في نور الإيمان المسيحيّ بيسوع المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات. وهذا الإيمان متأصّل منذ قرونٍ قبل المسيحيّة في أذهان الشعب اليهوديّ. إنّه الإيمان بأنّ الله، بحرّيّةٍ تامّة وبمحبّةٍ صرفة، يقدّم نفسه هبةً للجنس البشريّ. الله يسمح للمؤمن بالتواصل معه مباشرةً (راجع أفسس 3: 12؛ رومة 5: 2).
لقد أراد الله نفسه أن يلتقي الجنس البشريّ ويعيش بينهم. وأبرم عهدًا مع كلّ شخصٍ وكلّ الشعوب، ودعا جميع الناس للدخول في شراكةٍ معه. وسار مع شعبه في التاريخ، وتأثّر بشدّة من خيانة شعبه وخطاياه، لكنّه ظلّ أمينًا لوعوده، وأراد على الدوام غفران الخطايا. ودعا الله شعبه للتوبة والتغيير والغفران كي تعود حياتهم إلى الصلاح. فالله يريد أن يجذب كلّ إنسانٍ إلى الشراكة معه، وأن تكون هذه الشراكة مرئيّة في الشعب الذي دعاه فوثق به ولبّى دعوته. حين وثق موسى بالله وقاد شعبه إلى الحرّيّة، أظهر الله نفسه محرّرًا ومخلّصًا (راجع مثلاً المزمور 77: 14-21). وظلّ الله محجوبًا. إنّه لا يخضع لحسابات البشر ولا هو في متناول أيديهم، بل ظلّ حرًّا (راجع خروج 33: 18-23). ومع ذلك هو حاضر في تاريخ البشريّة كأساسٍ وهدفٍ كاملٍ، وبالتالي يتمكّن الشعب من التواصل معه. وأظهر نفسه مرارًا في التاريخ، وكشف على الدوام عن غنى محبّته التي لا توصف.
الله يكشف عن نفسه بيسوع المسيح
كان يسوع الناصريّ إنسانًا كاملاً، «مساوٍ لنا في كلّ شيءٍ ما عدا الخطيئة» (راجع عبرانيّون 2: 17). كان يعرف نفسه ويعرف أنّه موجّه بكلّيّته نحو الله. فكان يصلّي لله، وخضع للنزاع، وصرخ نحو السماء (راجع عبرانيّون 5: 7). وحين سلك في طريق إيمان شعبه نال هبة الإيمان بالله، أبا المحبّة الحانية، ورجاء مجيء ملكوت الله. وانطلاقًا من هذه الثقة المملوءة رجاءً التفت إلى البشر، خصوصًا الفقراء والصغار والمرضى والخطأة.
إنّ الله نفسه كان يشتغل من خلال يسوع، لأنّ يسوع أدرك أنّه آتٍ من الله ولديه نعمة الله. كان الله مرجعيّته ومنبع عمله وحياته (راجع مثلاً متّى 12: 28؛ مرقس 10: 18؛ لوقا 17: 18؛ يوحنّا 17: 2). لذلك يرى الناس أنّ الّذين يهتمّون بيسوع طوال حياتهم وفي كلّ نشاطاتهم، يظهر الله نفسه في سلوكيّاتهم، ويتعلّمون من خلال يسوع كيف يثقوا بالله ويعتبرونه أبًا محبًّا، يفتّش عن الضالّين ويمنحهم محبّته الرحيمة. فينالون من خلال يسوع نعمة الشراكة مع الله نفسه، وينالون سندًا ليصالحوا بعضهم بعضًا.
الكشف عن محبّة الله غير المشروطة
بآلام يسوع المسيح وموته على الصليب
إنّ سلوك يسوع وثقته المملوءة رجاءً بلغتا الذروة في آلامه وموته. فعلى الرغم من شعور يسوع بأنّ الله تركه، يثق بالله أبيه. وعلى الرغم من أنّه وصل إلى أقصى إمكانيّاته الشخصيّة، كان يرجو مع ذلك أنّ الله سيجعل ملكوته المنتظَر قريبًا، بفعل الروح القدس. ومع أنّ البشر تركوه ونبذوه، لم يستسلم لإغواء الشر، بل صلّى بملء الحبّ لأجل صالبيه. وبعد موت يسوع، وبدفعٍ من الروح القدس، لاحظ التلاميذ من خلال خبرة القيامة الفصحيّة أنّ الله نفسه، من خلال يسوع المصلوب، يعمل ويكشف عن ذاته بطريقةٍ جذريّة وفائقة.
لقد استسلم يسوع بآلامه كلّيّةً بين يديّ الله. لذلك فإنّ الله نفسه يظهر أنّه الإله المحِب، من خلال محبّة يسوع المملوءة ثقةً ورجاءً. فببذل يسوع ذاته عن البشر بدا واضحًا أنّ الله نفسه يبذل ذاته للبشر كي يتصالحوا مع بعضهم بعضًا ومعه، في هذا العالم العدوانيّ الهالك، فيخلّصهم (راجع 2 كورنثس 5: 18...). إنّ بذل الذات هذا لا يمكن التفوّق عليه، لأنّه يستحيل أن يبذل الإنسان أكثر من ذاته، حتّى لأجل الله. وبيسوع المسيح منحنا الله جذريّة محبّته. لذلك يستطيع العهد الجديد أن يعبّر عن جوهر كيان الله ويؤكّد ويقول: «الله محبّة» (1 يوحنّا 4: 8-16).
كيان الله ظهر في يسوع، ولذلك سُمّي «صورة الله غير المرئيّة» (كولوسي 1: 15). فبمحبّته حتّى النهاية (يوحنّا 13: 1)، توافق يسوع مع ما هو الله: المحبّة التي تبذل ذاتها.
باختصار، صار الله إنسانًا بدافع حبٍّ لنا غير مشروطٍ ومُطلَق. فنحن خليقته. وقد ثابر بهذه المحبّة لنا نحن البشر بيسوع على الرغم من رفض الأشرار، ونحن منهم، لابنه، وهو رفض قاد إلى الآلام والموت على الصليب، لكنّ الله تخطّى ذلك نهائيًّا بقيامته وأرسل روحه القدّوس لتحريرنا.