:سؤال285
إذا كان يسوع كاملاً حقًّا، لمَ صار عنيفًا في الهيكل؟ ألا نقدّمه على أنّه النموذج الأسمى لدعم السلام واللاعنف؟
الجواب:
إنّ السؤال يخصّ مباشرةً معنى تصرّفات يسوع ونتائجها: كيف يطرد سيّد محبّة القريب والأعداء من الهيكل البقر والغنم وباعتها بهذه الحدّة مستعملاً سوطًا من الحبال؟ إنّ هذه التفاصيل في القصّة، أي صنع السوط مباشرةً، مذكورة في إنجيل يوحنّا وحده، والإزائيّان متّى ومرقس يذكرانها بطريقةٍ عامّة فيقولان إنّه طرد باعة الحيوانات والصيارفة (الذين يبدّلون أموال الشعوب بالنقود المسموح استعمالها بالهيكل).
علينا أوّلاً ألاّ نخلط محبّة الأعداء، التي ترفض عن وعي قهر الظلم باستعمال العنف، مع قبول جميع السلوكيّات البشريّة بدون التمييز بين الصالح منها والفاسد. أن نرى دومًا في العدوّ إنسانًا يحبّه الله ويحترم كرامته الدائمة لا يعني ألاّ نثور على الظلم الذي يمارسه هذا العدوّ، وأن نتساهل تجاهه بدون أن نقول شيئًا. هذا يعني أنّ حماس يسوع لا يتعارض مع محبّة الأعداء. ومع ذلك فإنّ العنف ضدّ الناس لا يمكنه أن يستند إلى الله. فيسوع لم يمارس في كلّ المعجزات التي نرويها عنه معجزةً واحدة عقابيّة. واللعنة الوحيدة المرويّة عنه، وقد قالها لغاياتٍ تربويّة، وجِّهَت تجاه شجرة تين.
لذلك علينا أن نفهم بشكلٍ صحيحٍ رواية الباعة المطرودين من الهيكل: إنّها ليست مرجعًا أخلاقيًّا وأدبيًّا، ولا «نموذجًا» يقول لنا طريقة التصرّف في حال الاستبداد باستعمال المساحات الدينيّة (الهيكل)، أو استغلال الطقوس الدينيّة لمصالح اقتصاديّة. فيسوع لا يريد هنا تنظيم البعد الاقتصاديّ للعبادة في الهيكل بالتفصيل، ولا أن يُعلِمُنا كيف علينا أن نتصرّف في المستقبل مع أشخاصٍ يحوّلون الدين إلى تجارة.
لا شكّ في أنّ يسوع لم يشأ أبدًا «تطهير» مساحة الهيكل الواسعة، بل أراد أن يقوم بعملٍ في الهيكل يصدم العقول ويثير. فتصرّف يسوع في الهيكل هو إذًا تصرّف رمزيّ. وفي حال تصرّفٍ رمزيٍّ كهذا، من غير المُحتَمَل أن يكون يسوع قد ضرب الناس فعلاً أو جرحهم، لأنّ هذا يخالف كلّ الأفعال الرمزيّة الأخرى التي فعلها الأنبياء.
لقد أراد يسوع بعمله هذا أن يشير إلى هويّته المشيحانيّة: من حقّه أن يتدخّل في عمل العبادة في الهيكل، لأنّ مُلك الله على أورشليم، وعلى إسرائيل، وعلى جميع الشعوب قد بدأ. فيسوع يتصرّف هنا كاستمراريّة لأنبياء العهد القديم من جهة، فيبيّن ضرورة العلاقة بين عبادة الهيكل والمجتمع العادل؛ لأنّ الهيكل ليس «بيت صلاةٍ لجميع الأمم، وليس مغارة لصوص» (راجع مرقس 11: 17). ومن جهةٍ أخرى يبيّن، بما أنّه المسيح، أنّ زمن ملكوت الله الذي ينتظره شعب إسرائيل قد بدأ الآن. وفي آخر الأمر، يمكننا أن نميّز، بقراءةٍ دقيقة، في عمل يسوع الرمزيّ هذا أمرًا خاصًّا به. اللافت للنظر هو أنّ يسوع الذي يطرد باعة البقر والغنم، يوجّه كلامه لباعة الحمام (يوحنّا 2: 16). فباعة الحمام كانوا أفقر الذين يغتنون من عبادة الهيكل، ويبيعون بضاعتهم لمَن لا يستطيعون شراء حيواناتٍ أخرى للذبائح. فقد شعر يسوع بأنّه قريب منهم، لكنّه لم يوافق على عملهم. فعدالة الله التي تجسّدها حياة يسوع وأفعاله مرتبطة ارتباطًا شديدًا بانتباهه الخاصّ للفقراء.