:السؤال 239
«لماذا تعبدون الصليب وهو أداة قتل؟ وهل ستعبدون أيضًا المسدّس لو قُتِل يسوع رميًّا بالرصاص؟».
الجواب: نبدأ في جوابنا بشرح كيف يفهم المسيحيّون أنّ موت يسوع على الصليب هو علامة رجاء. بهذا المعنى سيتوضّح معنى إكرام الصليب في الاحتفالات الليترجيّة، خصوصًا في صلوات الجمعة الحزينة المسمّاة: إكرام الصليب، ومن ثمّ إكرام الصليب في حياة المسيحيّين اليوميّة.
بحسب عقيدة الكنيسة، العبادة واجبة لله وحده. فإذا كان إكرام الصليب يُسمّى أحيانًا adoratio crucis، فإنّ هذه التسمية غير دقيقة، ومعناها الدقيق هو: عبادة يسوع المصلوب من خلال فعل إكرام الصليب. والسؤال لو أُعدِمَ يسوع بطريقةٍ أخرى وبآلة إعدامٍ أخرى غير الصليب هل سيكرّم المسيحيّون المؤمنون هذه الأداة هو سؤال لا معنى له (لم يكن في أيّام يسوع أسلحة ناريّة). لقد واجهت الكنيسة الأولى محنةً قاسية في قبول العار بأنّ المسيح مُرسَل الله أُعدِمَ على الصليب كمجرم. «ولكنّ الكنيسة الأولى تذكّرت كلام يسوع نفسه في العشاء الأخير؛ وفي نور إقامة الله ليسوع وعت تمام الوعي أنّ هذا الموت المُهين قد تمّ بدون شكٍّ في مرحلةٍ من مراحل التاريخ بسبب عدم إيمان البشر وكراهيّتهم، ولكنّ إرادة الله تكمن في خلفيّة هذا الحدث، ومشيئته الخلاصيّة، وحتّى محبّة الله» (راجع في هذا الموقع الإلكترونيّ الجواب 225 في القسم 20).
في تصريحاتٍ إيمانيّة عدّة بالعهد الجديد يظهر دومًا الموضوع نفسه: «إنّها تصبو بطريقةٍ جديدةٍ دومًا إلى إعلان محبّة الله الساهرة والخلاصيّة، الّتي استقبلها يسوع بطاعته وبذله لذاته مرّةً واحدة وللأبد، كي يحقّق السلام بين الله والبشر، وبين البشر أنفسهم. لذلك تقول الرسالة إلى أهل أفسس «هو سلامنا» (أفسس 2: 14).
به شُفيَت كلّ العبوديّات الناتجة عن خطيئة الإنسان تجاه الله وتجاه الآخرين وتجاه نفسه وتمّت المصالحة. فالصليب في آخر الأمر علامة الانتصار على كلّ الهيمنات والقوى المعادية لله وللبشر، علامة رجاء (Katholischer Erwachsenen-Katechismus, Bd. 1, p.190).
في أثناء الاحتفال الليترجيّ بآلام المسيح وموته، يوم الجمعة من الأسبوع العظيم (الجمعة العظيمة)، «نشيد ونكرّم» صليبًا. والعوة إلى هذه الحركة تُصاغ على النحو التالي: يقول المحتفل: «هيذي خشبة الصليب الّتي صُلِبَ الربّ عليها لخلاص العالم»، فيجيب الشعب: «تعالوا واسجدوا». فالسجود للربّ يسوع المسيح المصلوب من خلال إكرام علامة الصليب. وهذا ما يقوله التعليم المسيحيّ للبالغين: «من الواضح أنّ الانتصار على الصليب، انتصار الحبّ على البغض والعنف، انتصار الحقيقة على الكذب، الحياة على الموت، مخفيّ في نقيضه. فالبغض والكذب والعنف لا تزال تسود العالم. والحياة الجديدة معطاة لنا في شكل صليب. وطريق الرجاء الّذي أظهر يسوع فيه أنّه ابن الله المملوء حياة ليس طريق نجاحٍ مستمرٍّ، إنّه ليس تاريخ أمجادٍ بحسب معاييرنا» (سينودس مشترك [Würzburg 1971-75], Unsere Hoffnung I, 2). فانتصار الصليب ليس موعودًا لنا إلّا بالسير في درب الصليب. لأنّ هذا هو بالضبط نزول الله إلى البؤس المرتبط بألم البشر وموتهم، الّذي ربطنا ثانيةً بالله في وضعنا الملموس. وهكذا فإنّ الصليب في حدّ ذاته علامة رجاء التحرّر النهائيّ، والانتصار النهائيّ لله. لذلك نصلّي بتكرارٍ في رتبة درب الصليب:
«نسبّحكَ أيّها المسيح ونعبدك لأنّك بصليبك المقدّس خلّصتَ العالم».