:السؤال 235
«إذا كان يسوع بطلًا لأنّه ضحّى بحياته، ألا ينبغي أن نعتبر الإسلاميّين الّذين يقومون بعمليّاتٍ انتحاريّة أبطالًا؟».
الجواب: إنّ الّذي يقوم بعمليّة انتحاريّة شخص يقوم بعمليّةٍ ضدّ شخصٍ أو عدّة أشخاص، بحيث إنّ فقدانه لحياته هو الشرط الضروريّ لنجاح العمليّة. «ففي التاريخ الرومانيّ تُذكر التضحية بالحياة في سبيل هدفٍ محدَّد. وفي العصر الحديث، نجد هذا الاستعداد للتضحية بالذات وقد صار أمرًا راديكاليًّا، بحيث لا يكون الموت الشخصيّ احتمالًا بل يتمّ في التفجير نفسه. ففاعل التفجير لا يكتفي بالتضحية بذاته بل يريد من فعله هذا أن يجرّ معه إلى الموت أكبر عددٍ ممكنٍ من الأشخاص. فموته مفترض منذ البداية [...]
وعلى مستوى أعلى، فإنّ العمليّات الانتحاريّة اتّسعت بفضل تطوّر التسلّح. فتطوّر المتفجّرات وتصنيعها البسيط نسبيًّا كان عنصرًا حاسمًا ... وقد صارت العمليّات الانتحاريّة إسلاميّة بوجهٍ خاصٍّ انطلاقًا من السبعينيّات، وقد بلغت ذروتها في الثمانينيّات» (راجع. http://fr.wikipedia.org/wiki/Attentat-suicide).
«ويستند مؤيّدو العمليّات الانتحاريّة ومعارضوها من المسلمين على القرآن. فالقرآن يحوي 114 سورة، وهو أساس الإيمان الإسلاميّ. ونقرأ في سورة الإسراء، الآية 33: « فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ».
يمكن اعتبار العمليّات الانتحاريّة الّتي يموت فيها أبرياء أنّها تتمّ بإسراف. بيد أنّ أنصار العمليّات الانتحاريّة يستندون إلى آياتٍ قرآنيّةٍ أخرى. ففي سورة الصف، الآية 11 وسورة التوبة الآية 41، يُقال إنّه ينبغي للمسلم أن يحارب العدوّ بكلّ قدراته وكلّ كيانه. وفي حال العدوّ العسكريّ المدجّج بالسلاح والمتفوّق عسكريًّا كإسرائيل فإنّ جميع الوسائل مبرّرة بنظرهم».
(http://religion.orf.at/projekt03/religionen/islam/fragen/re_is_fragen_selbstmord_fr.htm, Open in 11.07.2011).
لم تُطبّق فكرة البطل على يسوع الناصريّ إلّا نادرًا. «فالبطل ... شخص يمتلك قدراتٍ وصفاتٍ استثنائيّة تدفعه على القيام بإنجازاتٍ استثنائيّة، وأفعالٍ بطوليّة. وربّما يكون شخصيّةً حقيقيّة أو خياليّة، أي شخصيّة تاريخيّة أو ملحميّة أو أسطوريّة. وتستحقّ هذه الأفعال شهرتها البطوليّة الملائمة لها. وقد تكون القدرات البطوليّة جسديّة (قوّة، سرعة، تحمّل، إلخ) أو روحيّة (شجاعة، تضحية، التزام بإيديولوجيّات أو بالإنسانيّة)». (http://de.wikipedia.org/wiki/Held, ouvert le 11.07. 2011). فلا معنى لأن نقول إنّ يسوع بطل إلّا من ناحية بذل حياته باللاعنف حبًّا للبشر بما فيهم مضطهديه وأعدائه. ولكن كيف فهم يسوع بذل حياته؟
«بانفتاحه اللامحدود، انهالت عليه قوى الأمم. على سبيل المثال، حين عاب على الفرّيسيّين رياءهم. فحتّى الّذين تبعوه لم يفهموه حقًّا بحيث تركوه حين صارت الأمور جدّيّة. لقد حكم بيلاطس الرومانيّ على يسوع لكونه ملك اليهود، أي قائدًا سياسيًّا. لقد شاركت السلطتان اليهوديّة والرومانيّة في إسقاطه [...]. الأهم هو أن نعرف ما هو موقف يسوع من هذه الناحية. لقد شعر بالموت، واستقبله في آخر الأمر كإرادة الآب وقبِلَه لخلاص الجميع. لقد تحمّل كلّ ما يهين الكائن البشريّ: الظلم والخيانة والتعذيب واللعب السياسيّ وراء ظهره والسخرية والهشاشة والحكم بالموت والانهيار الجسديّ وسخرية المتفرّجين وترك الله. لقد تحمّل هذا كلّه لأجلنا!
إنّ هذا التفسير ليس اختراعًا من الكنيسة الأولى. فيسوع نفسه – كما يقول متّى (26- 28)- قال قبل آلامه في أثناء العشاء: «كثيرين» أي الجميع. فقد مات من أجل البشريّة كلّها. وهكذا فهم أنّ موته خلاصيّ للجميع. [راجع في هذا الموضوع الجواب عن السؤال 225 في القسم 20 من الموقع]. كان كتّاب العهد الجديد مشبعين بهذا المفهوم، ونظّموا نصوصهم بهذا الاتّجاه. إنّهم لم يكتبوا تفسيرهم وحسب، بل أخبرونا عن تفاصيل كافية، نستطيع أن نحدّد بها أسباب موت يسوع على الصليب.
لقد أعلن يسوع الخلاص، والناس رفضوه. لكن تصلّبهم لم يستطع قلب مخطّط الله الخلاصيّ. فصار موت يسوع هكذا خلاصًا لنا كلّنا. لم يمت يسوع لأنّه «كبش فداء» بسبب حكم حاكمٍ أبديٍّ ظالم. بل موته علامة على ذروة حبّ الله للبشر. فابن الله شارك أشدّ المنبوذين في هذه الأرض. (Wilfred Henze, Glauben ist schön: Ein katholischer Familien-Katechismus. Harsum, 2011, p. 79).
وهكذا نستنتج أنّ يسوع الناصريّ، حين رضي بحرّيّته وبدون عنفٍ الحكم عليه بالموت صلبًا، لا يمكننا أن نقارنه بمَن يقوم بعمليّة انتحاريّة. فهذا الأخير يجرّ معه أكبر عددٍ ممكن من البشر في موتٍ عنيف.