«بحسب عقيدة المسيحيّة والإسلام، إنّ الله القدير فوق الكلّ. ومع ذلك لا يُظهِر نفسه للناس مع أنّه قادرٌ أن يحلّ دفعةً واحدة كلّ المسائل الّتي تخصّ الإيمان بالله. فهل الله خجول؟».

الجواب: إنّ الله القدير سبحانه تعالى يسمو على الإيمان المسيحيّ والإسلاميّ ويظلّ غامضًا إلى الأبد. «ففي آخر الأمر لا نستطيع أن نفهمه. وغالبيّة الناس تخضع له راضيةً. ما يدهش في الأمر هو أنّه حين تصطدم أفكارهم بهذه الحدود يستاؤون. فيقولون بسهولة: أنا عاجز عن فهم الله، فكيف أستطيع أن أجد في هذا كلّه معنًى. أنا لا أستطيع أن أومن! [...] هوذا استنتاج لا يسمح قطّ بالتقدّم.

الحقيقة هي بالضبط عكس ذلك: إذا تكلّم أحد على الله بهذا النحو، وكأنّ كلّ شيءٍ بسيط، والأمور تجري بدون مشكلة، فإنّه يتصوّر الله بدون شكٍّ تصوّرًا خاطئًا. فالله دومًا سرّ لا يُسبَرُ غوره». إنّ الكلام على هذا النحو يواجه دومًا الاعتراض التالي: «ما فائدة إلهٍ بعيدٍ دومًا وغير مفهوم! أنا لا أريد أن أتكهّن في شأنه وحسب، بل أريد أن أكلّمه وأحبّه وأكون في أمانٍ بالقرب منه!» كتب الأديب وينيفريد هينز Winfried Henze في هذا الشأن انطلاقًا ممّا يعيشه: «لقد اختبرتُ الاثنَين. أن يبدو الله لي بعيدًا وغير مفهومٍ – وأشعر به قريبًا جدًّا منّي. كان بعيدًا عنّي حين أردتُ التقرّب منه بأفكارٍ رائعة، حين أطرح قضايا وأهد سبها.

وكان قريبًا حين أفكّر بطريقته في لقاء البشر. أشعر به تمامًا: بالطريقة الّتي دعا بها في الماضي مثلًا إبراهيم، يدعوني الآن. أقرأ في الكتاب المقدّس مرارًا وفي كلّ مرّةٍ أتأثّر: الله لا يبقى بعيدًا. إنّه يتوجّه إلينا، يقترب منّا، ونستطيع أن نشعر به».

وهكذا دعا الله إبراهيم فترك بيته وأملاكه وانطلق إلى البرّيّة. لقد استسلم لله. والله كان رجاءه الوحيد وأمانه. كان مؤمنًا.

ويروي الكتاب المقدّس أمورًا مشابهة عن أشخاصٍ عدّة. لقد آمنوا، وهذا يعني: رموا أنفسهم بين ذراعيّ الله. فشعروا بعظمته ومحبّته [...]

فلابدّ من قراءة الكتاب المقدَّس. إنّه يروي كيف يتواصل الله مع البشر، وكيف يكشف عن ذاته. ما من أحدٍ كان قريبًا منه بقدر ما كان يسوع ابنه. لقد جعل الله قريبًا جدًّا منّا. فلو لم يحدث كلّ ما يُروى في الكتاب المقدَّس، أظنّ أنّه لا داعي للكلام على الله.

فهو سيكون حينها بعيدًا عنّا دومًا. الحمد لله أنّ الأمور ليست كذلك. فهو يظلّ اللامتناهي، الآخر تمامًا، ولكنّه يقترب منّا. وقد كشف لنا سرّه» (Cf. W. Henze, Gott ist schön. Ein katholicher Familien-Katechismus. Harsum, 2001, pp. 21-22).